الطبيبة التي صنعت التاريخ.. توحيدة بن الشيخ ورحلة الريادة العربية

برز اسم توحيدة بن الشيخ حضورا لافتا في تاريخ تونس والعالم العربي، بوصفها أول طبيبة تونسية ومغاربية، ومسيرة جمعت بين العمل الطبي والنشاط الاجتماعي، وأسهمت في تعزيز حضور المرأة في المجال الصحي، وارتبطت جهودها بقضايا الصحة العامة والتنظيم العائلي ودعم النساء والفئات الهشة.

اختيرت الطبيبة التونسية توحيدة بن الشيخ بوصفها شخصية رئيسية على الورقة النقدية الجديدة من فئة عشرة دنانير تونسية، التي أصدرها البنك المركزي التونسي في 27 آذار/مارس  2020، تكريما لإسهاماتها البارزة في الطب والصحة العامة.

ويعكس وضع صورتها على العملة تقديرا لدورها الريادي في طب النساء والتوليد والتنظيم العائلي. ولم تكن أول امرأة تظهر على عملة تونسية، إذ سبقتها الفنانة أنيسة لطفي في سبعينيات القرن الماضي.

احتفاء غوغل بإرثها
احتفل غوغل بتوحيدة بن الشيخ عبر رسم خاص “دوودل” في 27 آذار/مارس  2021، تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لإصدار الورقة النقدية التي تحمل صورتها، مشيدا بمسيرتها بوصفها طبيبة وناشطة نسوية تركت أثرا عميقا في المجتمع.

توثيق سينمائي لمسيرتها
شهدت دار الثقافة ابن رشيق في قلب العاصمة التونسية، يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 2013، العرض الأول للفيلم الوثائقي “نضال حكيمة”، الذي يروي قصة حياة ونضال توحيدة بن الشيخ، تكريما لمكانتها واعترافا بإسهامها في النهوض بالمرأة التونسية والعربية.

النشأة والتعليم
ولدت توحيدة بن الشيخ في 2 كانون الثاني/يناير  1909 بمنطقة رأس الجبل التابعة لمحافظة بنزرت شمال العاصمة. نشأت في كنف عائلة ميسورة الحال، فوالدتها من عائلة بن عمار، إحدى العائلات التونسية الثرية والمناضلة، وكان خالها الطاهر بن عمار من أبرز الشخصيات في مسيرة استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي، ووقع قرار الاستقلال مع فرنسا في 20 مارس 1920.

بعد وفاة والدها، تكفلت والدتها بتربيتها مع شقيقيها، وحرصت على تعليمهم دون تمييز، وحصلت توحيدة على الشهادة الابتدائية عام 1922، ثم تابعت دراستها الثانوية في معهد “أرمان فاليار” بتونس العاصمة، لتنال شهادة الثانوية العامة عام 1928، وتكون بذلك أول تلميذة تونسية مسلمة تحصل عليها.

الدراسة الجامعية وبداية المسار الطبي
توجهت بعدها إلى فرنسا لمواصلة تعليمها الجامعي في الطب، وبعد ثلاث سنوات من الإقامة بالحي الدولي للطالبات، انتقلت للعيش مع عائلة الطبيب والباحث الفرنسي بورني بمعهد باستور بتونس، ما أتاح لها التعرف على الأوساط الثقافية والعلمية الفرنسية.

تخرجت عام 1936 من كلية الطب في باريس، وناقشت في السنة الموالية رسالة الدكتوراه، ثم عادت إلى تونس حاملة شهادتها، لتصبح أول طبيبة تونسية وأول طبيبة في العالم العربي، وافتتحت عيادتها الخاصة، التي تحولت في تلك الفترة إلى مقصد لضعاف الحال، حيث كانت تكشف عليهم مجانا.
الريادة في طب النساء والتنظيم العائلي

واختصت توحيدة بن الشيخ في طب النساء والتوليد، وكانت من أوائل المساهمات في إطلاق تجربة التنظيم العائلي في تونس، وتولت عديد المناصب الإدارية، فأنشأت عام 1963 قسما مختصا في إجراءات التنظيم العائلي بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة.

كما أدارت قسم التوليد وطب الرضيع بالمستشفى نفسه بين عامي 1955 و1964، ثم تولت رئاسة قسم التوليد وطب الرضيع بمستشفى عزيزة عثمانة، وفي عام 1970 أصبحت مديرة الديوان الوطني للتنظيم العائلي.

كما تركت بصمتها في جمعية الإغاثة بعد الحرب العالمية الثانية، وشاركت في مقاومة عملية التمشيط التي نفذها الجنرال “غرباي” في الوطن القبلي خلال خمسينيات القرن الماضي، والتي تعرضت خلالها فتيات لعمليات اغتصاب.

الرحيل والإرث
توفيت توحيدة بن الشيخ في 6 كانون الأول/ديسمبر 2010 عن عمر ناهز 101 سنة، وبرحيلها كانت قد فتحت الطريق أمام المرأة التونسية والعربية لإثبات كفاءتها في مجال الطب والتعليم والعمل الإنساني، ورسخت نموذجا يؤكد قدرة المرأة على الدفاع عن حقوقها وحقوق مجتمعها في بيئات اجتماعية صعبة.

قد يعجبك ايضا